[تنشر هذه المادة ضمن ملف " الموجة الجديدة في الشعر السوري ( أثر الحرب )" انقر/يهنا لمواد الملف الكاملة]
-1-
سنعتادُ الأمر؛
/اعذر وقاحتي /
المصافحة حركةٌ تافهة؛
ودمي مازال قلقاً مذ ذهب آخر جنديّ الى الحرب ولم يعد .
البرودة ليست من شيمي،
أسلّي نفسي بتربية الشتائم في غياب العاطفة،
والرسالة الثالثة، قد مزقتها .
سأندم؛
الندم أمرٌ ضروريّ،
أمرٌ مسلٍّ أيضاً،
ولكن-هذا الألم يفوق طاقتي
والفصام ترفٌ،
سأكتفي بتقليد الملوك؛
انظر لقد انتفخ جسدي
وقلبي أودّ بشدةٍ لو أبصقه.
المصافحة حركةٌ تافهة؛
والرّب يهمس في أذن الأرض :
سأهديكِ ثلاجة جديدة !
وحدنا،
أنا والجنود لم نجد طريق مستودع المدينة!
وبقينا نصرخ للأبد.
سنعتاد الأمر؛
أنا أقرص جلدي ليزداد زرقةً
وأنت تخبأ يدك في جيبكَ وتنعي للآخرين خبرَ موتي !
-2-
..............
لا
أريدك لي
عيناً؛
الدّودُ ينهشُ تضاريس هذا العالم .
لا
أريدُكَ لي
فماً.
الأغنياتُ المتعفّنة تفترِشُ الطريق،
ولا أحدٌ يحملُ هنا
سوى
السّلاح.
لا
أريدُكَ لي
يداً
أمضيتُ عمراً وأنا أعضُّ أصابعي.
لا
أريدكَ لي
ذاكرةً.
فقد ولدْتُ بصندوقٍ قمامةٍ أسفلَ رأسي !
,,,,,
(أنا فقط أريدك لي باباً) .
,,,,,
باباً لا يفتح دون بصمة صوتي،
ثابتاً،
يمتصُّ الدموع دون شكوى،
باباً؛ أحفظُ لكنةَ صريره جيّداً.
وإن أرادَ مثلاً تغيير مكانَ إقامتهِ أصابني حينها:
هوسُ
الأقفال
وكوابيس
الخيام
وبدأت
بتفقدّي
عندَ
كلِّ
خطوةٍ
أسمعها.
-3-
أنتَ لا تراك؛
والأشياء التي تودّ عدمَ رؤيتها،
قد تحضرُ في مخيلتِك،
أشياء قدْ ـ تشبهُك!
أنت لا تراك؛
وفجأةً تلتفِتُ لتسأل،أهذا حائطٌ أم طريق؟
أنت لا تراك؛
وماالذي يسندك؟ أهو للآن ظهرَك؟
عتمتُك بائتة ؛
لكنّ وجع أصابعكَ ،هو من يقلِقُك !
فتمدُّ لهم الأخرى.
لكنّك مع الوقت
ستعتادُ الغرباء،
الورمَ،
والكدمات ذات الألوان القاتمة ،
التي حتماً، ستقنِعُك!
ستعتادُ أمر أنّكَ
قطعة الجبن
و الفأر الوحيد.
وبأن الآخرين مصيدة مُحكمة.
أنتَ لا تراكَ؛
والرائحةُ تلك ليست رائحة العجوزِ،
جارتك!
وحينها، ستبدأ في طرح الأسئلة المباشرة،
كم من الوقت مضى على وحدتك؟
أو
لمَ للآن لم يأتِ أحدٌ ،كي ينقِذك؟
أو
ربما ،ستقوم بتهدئتِكَ
بجملٍ غامضة،
أنتَ وحدك من تفهمها،
كأن تقول: انتظر
أنت تنتقِمُ فقط من يدك،
حين تلمّع زجاج نوافذك في أيام الخماسين !
-4-
أبقِ لي
على أغنيةٍ حزينةٍ واحدة
الكلمات الفارغة تتكاثر هنا وتنجبُ قبائلَ
الكلمات الفارغة ،تحدُثْ،
وتصنعُ شعباً!
أبقِ لي
على يدٍ سليمةٍ واحدة
أحتاجها جداً
أصابعي عالقةٌ منذ آخرِ باب!
أبقِ لي
على ورقةِ منديل واحدة
أنا لم أعد أميّز
بين رائحة الضّبع وفعلِ الوسادة!
أبقِ لي
على أمنيةٍ مستحيلةٍ واحدة
مذ ذهبتَ
الأساطيرُ تضحكني كثيراً
والموت،أصبح الآن ممكناً ..
-5-
أملِكُ عيناً
متقرّحةً واحدة,
وحزناً مستيقظاً للأبد .
أنا دونكَ وحيدةٌ
أيّها الحزن.
من يقايضني عليّ
يربحُ نهراً من الدّموع .
المُقلُ المالحة
لا تغري أحداً
والجسدُ المُهملُ
يعطبُ سريعاً .
إنّه الحب ؛
ذلك المسخُ،
الذي يتجوّل بوقاحةٍ في غرفتي
مُمسكاً قلبَ حبيبي
كحصاةٍ
ويصوّبها نحو رأسي .
أنا علبَة السردين الفارغة..
-6-
سقطَ كلانا ...
من ينظّفُ
الآن،
روثَ
ذاكرتنا ؟
من يوسّع
الفراغَ
داخلَ جماجمنا
لحياة ضيّقة؟
من يثقب
بالونات اليأس؟
لنستنشق غبار البارحة،
دون بكاء!
من يتهجّئ
لكلينا،
لفظة حرب
ويظلَّ قلبه
سليماً للغد ؟
يا قلبي،
الرّصاصةُ
بريئةٌ
والأجساد
غواية
البنادق
من يُفرِغُني
الآن
من
جسدي
على
شكلِ
وردة ؟؟
-7-
أنتَ لا تعي كم يتطلّب قلبي
وسائدَ محشوّةً بالنّدم
والقلق
ليرتفعَ أكثر؛
علوّ خسائرِكَ
شاهق!
أنتَ لا تعي حجمَ تلكَ الهاوية
أبعادُها
تُقاس بالجثث وبُرَكِ الدّموع.
أنتَ لا تعي
سُميّةَ هذا الوقت
الذي مضى
الذي سوف يأتي
الوقت؛
الذي يلدغُ قلبي على مهلْ
ومصلُ الانتظار لا يُسعفُني
أنتَ تعلم
ماهي آثاره
تماماً,
أولها شللٌ
آخرهُا عجزْ ..
أنتَ لا تعي،
سفالةَ هذا العالم الذي
ماعادت أظافري
تستطيع خدشَ ظهره
كما في السّابق!
مثقَلةٌ
أظافري
بالقبور والخيبات.
ثقَلُها،
تكلّسها الهشّ،
كان كفيلاً بتكسُّرها
وثقْبِ قلبي!
عشر أصابعٍ آكلها
في كلِّ غيابٍ
لكْ.
وأبصقني
بسخريةٍ وأبكي.
أنتَ لا تعي،
كيف استطعتُ مواجهةَ كلَّ هذا اليأس
وأنا أنظر لملامِحَ وجهِكَ الآن
وأبتسِم ....
-8-
لقد خانتني الأشياء،
حين كنت نائمة..
وكلما أوشكت في قتلها
مجدداً
صحوت!
ـ
لقد أتيت متأخراً
يا ألله ..
أتيت مبتسماً أيضاً !
كجملة لا نودّ سماعها ..
لقد أتيتَ متأخراً،
لكن،
هذا بالضبطّ ..
ما تفعلُه بالتعساء!
إذا كان لابد من مغفرة،
إذا كان لابدّ من إله،
فلتأتِ مسرعاً
دون أيّة نداء،
فلتأت سريعاً
كما يفعل
العذاب.
-9-
الأمر الذي حدث لسبب ما
الأمر الذي أصبحت كل ما عليه فجأة.
والحجر الذي وضعته سابقاً
الذي وضعته تماماً في مكانه،
الحجر الذي كان على شكل حائط في البداية!
الحجر الذي كان يمضي دوني،
دوماً !
الأمر ليس متعلقاً بالحجر ولا بالأمر نفسه /على ما أعتقد !
..
الأمر هو أن الحائط يتقدم نحوي
وأنا
الى الآن/ ألتفت نحوه.
بالخوف نفسه،
بالقلق نفسه،
بالألم نفسه،
وبذلك الندم ..
بحذافيره !
لا أفهم ..
لمَ الأمور تظلّ عالقةً الى هذا الحد !
ولمَ ذلك الحجر يحافظ على شكله،
ولم الأسباب جميعها تقودني نحو الخلف
نحو ما أريدُ تحديداً ......
الأمر الذي حدث لسبب ما
الأمر الذي أصبحت كل ما عليه فجأة،
الأمر أيضاًـ
الذي لم يعد مهماً بعد الآن..
-10-
ثمّة شيءٌ يتفسّخ الآن
لم أعد أعرف من أنا
جذعٌ هرمٌ أم شجرة ؟!
لم أرَ اللحاء،
لكنني كنتُه.
ولم أذق نكهة الريح،
لكنني أملْتها.
ياألله!
إنّها البداية؟
أليس كذلك؟
الأشياء تطفو ـ وأنا المتشبثةُ في تربةٍ تنكرني !
الساعة،
الباب،
الهواء،
يتحدثون الآن عن أصابعَ امرأةٍ سوف تنقذها بعد غدْ
يبدو أنّ الأمر بدأ يحدث!
والقلق يتبخّر بسرعةٍ معاكسةٍ لطريقةِ تشكّله،
ياألله !
لمَ تبدو لي العصافير من بعيدٍ, كأجراسِ الكنائس؟
لم دمي هادئٌ هكذا؟
ولم المساميرُ لا تعمل؟
يبدو أنّ الأمرَ بدأ يحدث
بدأ يحدث…
-11-
وأعلمُ جيداً
أنّكَ تربّي دمعَكَ وحدَك
وخوفَكَ وحدَك
وقلقك وحدَك
وتشاهد الموتَ بعينٍ ثالثة،
مع الآخرين.....